لماذا تنجح حلول الأعمال المحلية وتفشل العالمية؟
- Khalid Joraid
- Nov 17, 2014
- 7 min read
لم أرد من هذه المدونة أن تظهر وكأنني أريد أن أسوق منتج على أخر أو أن أفاضل بين مجموعة منتجات على حساب منتجات أخرى لهدف تسويقي ولكني وبعد أن راجعت تاريخ مجموعة من عملائي خلال العشرين سنة الماضية وكيفية انتقالهم وتطورهم من مرحلة إلى أخرى وجدت تشابه كبير بين هذه التجارب المتعددة والمعاناة التي يعاني منها السوق السعودي بشكل خاص والعربي بشكل عام ، هذه المدونة هي قراءة ودراسة سريعة لتاريخ عشرات العملاء الذين مروا بهذه التجربة أطرحها هنا لعلها أن تفيد أي شخص مقبل على هذه التجربة فتساعده على اتخاذ القرار الصحيح.
السوق المحلي يعاني بشكل كبير جدا من الوعي والخبرة في مجال تطبيق حلول الأعمال تحديدا، وذلك يعود لعدة أسباب أهمها أن تطور الوعي لدى الشركات ينشأ عن التجربة والخبرة، ومحرك التجربة والخبرة هو المنافسة الشديدة في السوق مما يدفع رجال الأعمال إلى القيام بإجراءات تقوم بتطوير العمل لتقليل التكاليف وخدمة العملاء بشكل أفضل وبالتالي التغلب على المنافسين. وقلة التجربة وتأخرها وكذلك قلة المنافسة في السوق خلال العقود الماضية أدى إلى بطء في الوصول إلى النضج المطلوب النجاح.
لماذا نعيد تجربة الأسواق التي سبقتنا في هذا المجال ونعيد أخطائهم ومشاكلهم مرة أخرى ولا نتوقف قليلا ونحاول تطوير أساليب ومفاهيم جديدة تساعدنا على تخطي جزء كبير من الأخطاء والوصول إلى تجارب ناجحة بأقل خسائر وأقل معاناة.
لحسن الحظ أن نماذج التطور الفكري للمجتمعات تقريبا متشابهة، لذلك وجود تجارب سابقة يمكنها التأثير إيجابيا على التجارب اللاحقة ولكن بشرط مهم وهو القابلية لتفهم ودراسة المعاناة وبالتالي الاستعانة بنتائج تلك التجربة بجدية لتفاديها حاليا، فمثلا معظم الشركات في البلدان المتطورة تبدأ بتطبيق أنظمة حلول الأعمال بالتزامن مع تأسيس الشركة، بينما تعتبر حلول الأعمال شيء تكميلي غير مفيد حتى بعد سنوات طويلة من العمل وهذا بسبب قلة المعرفة والخبرة في هذه النوعية من الأدوات لمواكبة العصر وكذلك عدم قناعة مديري الشركات بالقيمة من هذه الحلول واعتبارها مصروف لا داعي له. أعلم كثير من الشركات تزيد مبيعاتها عن مائة مليون دولار سنويا ولديهم نظام محاسبي لا يزيد قيمته عن عشرة ألاف دولار ويعملون عليه منذ سنوات طويله ولا يغطي إلا أجزاء من إجراءات إدارة واحدة فقط ألا وهي المالية بالطبع، والنتيجة عدم وجود وعي تام للمخاطر التي سوف تواجه الشركة يوما ما والتحديات التي قد تؤثر سلبا على استمرار الشركة ونموها والتي قد يؤدي إلى أضرار أكبر من المتوقع، ولكن عندما تقع الكارثة يصبح صاحب العمل أكثر الناس حرصا على مثل هذه الاستثمارات لاحقا ولكن بعد فوات الأوان.
إذاً حتى نحقق وعي وشفافية في التفكير مع القيام بالنقلة النوعية في مدة أقل من المدة التي استغرقتها أسواق أخرى، وأعني بهذا هو الوصول للمعرفة والقناعة ثم النضج للاستثمار والعمل على أنظمة حلول الأعمال المتكاملة سواء في فترات التأسيس للشركة، أو فورا للشركات التي لم تقم بعد بهذا القرار بدون الدخول في مغامرات، كان لا بد من معرفة المراحل التي تمر بها الشركات للوصول إلى قناعة أن الاستثمار في حلول الأعمال المتكاملة أو ما يسمى بـ إي أر بي، ضروري للسيطرة والتحكم والتطور في العمل وهذه المراحل هي:
مرحلة التأسيس:
وفي هذه المرحلة يعتقد صاحب العمل أن عملة لا يقوم به أحد غيرة، وقد يدعي أن هناك الكثير يعملون أو يقدمون نفس الخدمة التي يقدمها ولكنه يصر على أن خبرته ورأيه الشخصي له أثر فعال في بناء الإجراءات الداخلية والتي يصعب وجود نظام جاهز يلبي هذه الإجراءات والتفاصيل الخاصة بها، وبالتالي يبحث صاحب العمل في هذه الحالة عن شركة لديها إمكانية ببناء حل خصيصا لاحتياجاته ويضع الوقت والجهد لبناء ما يتبناه من إجراءات وطرق لتنفيذ العمل. وقد تستمر هذه المرحلة مدة طويلة في حالة نجاحها لأنها تعتبر الطفل المدلل للمدير وبالتالي سوف يكون صعب الاستغناء عن هذا الحل بهذه السهولة.
مرحلة المعرفة:
يقف النظام القديم عاجزا عن تلبية الاحتياجات الحالية للمنشأة، فقد تكون الشركة التي قامت بتطوير المنتج خرجت من السوق، أو قد تكون تطورت وبالتالي أصبحت تطالب بمبالغ أكبر لتتماشى مع تطورها وزيادة تكاليفها وبالتالي خدماتها وهذا شيء يزعج المستثمر، أو أن النظام لم يتم تطويره بالشكل الذي قد يفيد تطور عملائه. وأيضا وجود تطور مستمر ومتسارع في التقنية بشكل عام يجعل ما كان حديثا قبل خمس سنوات لا يمكن العمل عليه الأن بتواجد أنظمة تشغيل حديثة وغيرها مما يصعب أيضا الأمر ويزيده تعقيدا، فيلجأ صاحب القرار إلى استبدال النظام إلى نظام أكبر منه يكون معياري في الأجزاء المعيارية ولكن يقوم صاحب القرار بطلبات كثيرة ومعقدة يضع فيها كل خبرته وتجربته الأولى ليتفادى كل المعوقات التي كانت تواجهه، وفي هذه الحالة سوف يتورط بنظام مشوه يعمل على إجراءات معيارية في جزئيات معينة مثل المالية والرواتب والمخزون ويتم إنشاء نظام خاص به لملائمة حاجته في جزئية معينة وهي بالتأكيد تكون الجزئية التي تعتبر العمود الفقري لأعماله، فيقع في مخاطر ومعاناة عمل الربط بين النظام المستحدث والأنظمة الأخرى، ويصبح النظام عبارة عن نظام متكامل جزء منه يعمل بشكل مستقر وجزء منه، وهو ما تم تطويره خصيصا له، مليء بالأخطاء وبحاجة إلى دعم دائم، مما يشعر الشركة بالملل والخوف إلى أن يتم الوصول إلى نسخة سليمة وتعمل بالحد الأدنى ويتم إنهاء المشروع بسرعة لأن الكل تعب من معاناة التجربة والخطأ،
مرحلة القناعة:
النظام الحالي يعمل ولكن غير قابل للتطوير، هناك إجراءات مستجدة لا يستطيع أحد إضافتها إلى النظام، لأنه حسب خبرة العميل كلما أضيف شيء جديد يتم تعطل شيء قديم، أو يتم حسابه بمبلغ كبير حسب اعتقاد العميل وبالتالي يصل المدير إلى قناعة بأن يبحث عن نظام متكامل قابل للتطوير بدون الدخول في تعقيدات برمجية، نظام يحتوي على أدوات وبرمجيات جاهزة تساعد على تطوير بيئة العمل بسهولة أكثر، نظام متكامل من ناحية الأقسام ولكن قابل للتطوير سواء من الشركة المصنعة أو من مزود الخدمة أو من فريق العمل الداخلي وهذا يعني توفير بيئة تطوير تدعم ذلك حتى يقوم العميل بعمل ما يراه مناسبا من إضافات إذا استدعى الأمر.
ويتم البحث عن حل يفي بهذه الشروط ويتم اختيار حل عالمي غالبا مرتفع السعر كثيرا بالمقارنة بالاستثمارات القديمة، وبالتالي يعتبر العميل هذا الاستثمار الأكبر والأخطر والأهم في تاريخ المنشأة فيصبح أكثر ضغطا على أسعار الشركات الاستشارية التي سوف تقوم بتطبيق النظام، ويضع شروطا أكثر في مصلحته وأهمها أن من حقة أن يضيف ما يشاء حتى يتلاءم النظام مع متطلباته، وبخصم جيد تحصل الصفقة، وتبدأ الطلبات الخاصة تتزايد طالما أن هناك شرطا في العقد يسمح بأخذ كل ما يطلب لتحقيق أهداف العميل، وبالفعل يبدأ التطبيق ويكتشف الجميع أن هناك متطلبات ليس لها منطق وأن بعضها موجود أصلا ولكن بطرق مختلفة، ويبدأ الصراع حول صحة هذه الإجراءات من الناحية العملية، وملائمتها للواقع وتكلفة إنشائها وكذلك أسباب إنشائها مرة أخرى بطريقة محددة للعميل مع أنها قد تكون موجودة أصلا ولكن بطرق مختلفة وضمن برامج متعددة.
يعتقد صاحب العمل أن هذا يعتبر خلل في الشركة المطبقة وأنها تحاول التملص من مسؤولياتها بالتهرب من عمل هذه التعديلات، فيُجبر مزود الخدمة على عمل هذه التعديلات لخطأه في الأصل بالموافقة عليها ومن ثم نزولا لإرضاء العميل وثالثا للإيفاء بالعقد المكتوب، وفي النهاية يدور هذا المشروع لعدة سنوات بين شد وجذب حتى يتم الانتهاء منه في أحسن الأحوال أو في فشلة وإعادة تطبيقه من مزود خدمة أخر في أغلب الأحوال.
يرى العميل استثماره أمام عينيه وهو يفقده شيئا فشيئا ناهيك عن الدفعات السنوية التي يقوم بدفعها للحفاظ على استمرار دعم الشركة المصنعة للتصاريح بشكل يستطيع أن يحصل على الدعم منهم في أي مشكلة تواجهه، قد ينجح المشروع بعد شق الأنفس من أول محاولة وهذا نادر جدا أو من ثاني أو ثالث محاولة وهذا الأغلب، ولكن يصدم العميل بأن نسخة مطورة وحديثة قد نزلت لنفس المنتج ولكنه لن يستطيع تحديث النظام إلا بدفع مبالغ كبيرة مع إعادة جميع الأعمال التي تم تطويرها خصيصا له. يبقى العميل لمدة طويله إلا أن يستوعب أن ما تم عمله سابقا واعتبره إنجاز أصبح هو العثرة الأكبر في تطوير العمل والمضي قدما. يعيد صاحب القرار التفكير ويصل إلى قناعة نهائية أنه لا بد من إعادة تطبيق النظام مرة أخرى أو الانتقال إلى نظام عالمي أخر بحيث أصبحت إعادة التجربة بحد ذاتها تحدي تتساوى فيه كل الحلول المطروحة.
مرحلة النضج:
أصحاب هذه المرحلة يطلبون حل عالمي يتم تطبيقه كما هو بالحد الأدنى من التعديل وهم مستعدون لعمل بعض الأعمال الخاصة بهم على برامج مساعدة أخرى لتفادي عمل أي تعديل على النظام قد يؤثر على تطويره لاحقا، ولكنهم يصطدمون بعائق مفاجئ وهو أن الأنظمة العالمية لديها إجراءات قياسية في بعض الحالات تكون طويلة ومعقدة وفي حالات يصبح تطبيق هذا الجزء من النظام صعب جدا وبالتالي يتم إسقاط هذا الجزء تماما من حساباتهم إلى أن يتم إيجاد موارد بشرية تستطيع تشغيل النظام بشكل مناسب، ويتم غالبا تطبيق النظام بتكلفة مناسبة وفي مدة قياسية وبدون أدنى مخاطرة على التطوير المستقبلي أو على عدم القدرة على التعديل على ما هو موجود في حالة الحاجة إلى ذلك.
في اعتقادي أن هذه المراحل تمر في حياة كل الشركات وبنفس الترتيب وقد يكون بنفس النتائج وهناك حالات تخرج عن هذا السياق بالطبع لأسباب عديده أهمها وجود أشخاص عاشوا التجارب السابقة في شركات أخرى ونقلوها إلى شركاتهم الجديدة دون الحاجة للمرور في هذه المراحل.
يعاني الجميع في مرحلة النضج، إن وصلوا إليها، أن البرامج العالمية صممت لتخدم المنشأة التي لديها كادر وظيفي متكامل بحيث يقوم كل شخص بعمل وظيفة معينة ومحددة وبالتالي عندما تقوم بتطبيق هذا النظام وليس لديك في إدارة معينة إلا شخص أو شخصين بينما يحتاج النظام إلى تشغيله إلى ثمانية أشخاص على الأقل فإن النتيجة الحتمية سوف تكون أن هذه الجزئية من النظام سوف تعطل إلى أن يتم الحاجة إليها لاحقا. أو سوف يتم اختزال الإجراء إلى أبسط صوره وبالتالي سوف يعود استخدام النظام كنظام مالي ولكنه موسع شيئا ما.
بالنسبة للبرامج المحلية تتركز مشاكلها في استقرار المنتج ووجود الإجراءات القياسية وتطوير الأدوات التي تساعد على تطويع الحل ليتناسب مع احتياجات العميل ولكنه في المقابل حل سهل التطبيق غير مكلف مقارنة مع الحلول العالمية، وأيضا تشكل المتواضعة منها خطوة أولى في هذا الطريق وتشكل المحترفة منها حل نهائي أو حل يسبق الحل المتكامل العالمي، وفي كل الأحوال مشاريع البرامج المحلية ناجحة في الأغلب والمخاطرة فيها قليلة وبعكس البرامج العالمية فالمخاطرة تكون جسيمة ونسبة الفشل عالية جدا،
إذا أردت أن تعمل على نظام عالمي فيجب أن تصل إلى المرحلة التي تكون فيها (1) متطلباتك أصبحت واضحة جدا، (2) إجراءات العمل أصبحت معرفة وقياسية بالنسبة للصناعة الخاصة بك (3) المستخدمين أصبح لديهم الخبرة والمعرفة بهذه الإجراءات وكيفية عملها على النظام، (4) تطور العمل في المنشأة حتى يصبح عدد المستخدمين عدد كفيل بإنجاز العمل بشكل مناسب دون الحاجة إلى اختصار أو إلى أوقات إضافية، (4) تغير فكر الشركة والإدارة إلى تطبيق إجراءات قياسية للعمل بها دون أدنى تعديل.
إذا تحققت الشروط السابقة في منشأتك فتحول إلى الحلول العالمية مباشرة بدون قلق ولكن عليك قراءة مدونتي السابقة وهي " رؤية جديدة في أسباب فشل تطبيقات إي أر بي"، ونفذها بحذافيرها وسوف تنتقل إلى حل عالمي بشكل صحيح وبأدنى فترة من التطبيق وبأقل استثمار ممكن.
,إذا لم تصل إلى تلك المرحلة وأنت بحاجة إلى حل يغطي احتياجاتك فأبحث في أي مرحلة تمر شركتك الأن من المراحل الأربعة وحاول الانتقال إلى المرحلة الثالثة مباشرة من خلال زيادة الوعي وإستشارة المختصين وابحث عن حل أقرب للحل العالمي في إمكانياته وحاول تطبيق ما تعلمته في هذه المدونة وسوف ترى نتائج مشجعة جدا في الوقت ونسبة النجاح وقلة التكلفة.
البرامج المحلية تنجح لأنها تتناسب مع المرحلة التي تمر فيها الشركة، وتفشل العالمية منها لأن الشركة تكون غير مستعدة لقفزة من هذا النوع، معرفة الحل الذي يناسب مرحلة تطور الشركة نحو النضج هو سر النجاح.
لن تصدق إذا قلت لك أنني قمت بتطبيق مشاريع كثيرة لأنظمة عالمية كلهم تخطوا الوقت المخطط له، إلا مشروع واحد لشركة أمريكية كان يديره مدير تقنية معلومات من نفس البلد ذو تجربة وخبرة وانتهى المشروع في الوقت المحدد له تماما، أعتقد أن هذا الرجل هو السبب الرئيسي في ذلك وهو الذي ألهمني إلى معرفة وكتابة هذه المدونة.
لماذا لا نستفيد من تجاربنا وتجارب الأخرين ونتشاركها مع بعضنا البعض حتى لا نعيد مرارة التجربة والخطأ مرات عديدة ونحن بإمكاننا الوصول إلى النجاح من التجربة الأولى.
" من الجيد الاحتفال بالنجاح، ولكن الأهم استخلاص العبر والدروس من الفشل "
بيل غيتس
Comments