مسير أم مخير

يدور الإنسان في ثلاث دوائر متداخلة ومعقدة،

دائرة صغير أولى يكون فيها مسيرا

ودائرة أوسع يكون فيها من خلال طاقته وأفعاله مؤثرا بالأخرين وبالأشياء وبالكون ومتأثرا بهم

ودائرة ثالثة يكون الإنسان مخيرا فيها تماما

أما الدائرة الأولى وهي عند خلق الإنسان فهو لا يتدخل في موعد ولادته ولا في اختيار أبيه وأمه ولا ما إذا كان عربيا أم شرقيا أم غربيا وأيضا ما إذا كان أبواه مؤمنين أم ملحدين ومسيرا في جيناته وشكله ولونه.

ومع الوقت يكبر الطفل ويبدأ بالتأثر بالأخرين دون اختيار منه، فقد يربى على الكرم أو على البخل مثلا أو على الصدق أو على الكذب فيتأثر من محيطة ويكاد تأثيره بالمحيط يكون معدوما حتى يكبر ويصبح واعيا، ومن هنا يبدأ بتجربة التأثير على الأخرين وعلى الأشياء وعلى الكون، يبدأ تأثيره على محيطه الصغير أي عائلته واصحابه من خلال طاقته واسلوبه في الكلام والكاريزما الخاصة به بحيث يمكن أن يكون مؤثرا إيجابيا أو سلبيا فقد يكون مرحا يضفي البهجة في البيت وقد يكون شريرا فتنتشر الطاقة السلبية في البيت والنكد والتوتر وقد يكون مريضا فيعم الحزن والألم في العائلة.

وفي كل يوم يتعلم الطفل الواعي طرق التأثير على الكون والأخرين ويصبح أكثر وعيا بما يؤثر به سواء كان من الكون أم الناس وتصبح عنده القدرة على منع الطاقة السلبية من الوصول إليه ويتقن كيفية نقل الطاقة لمحيطه. للأسف نحن نهمل تعليم أولادنا الدائرة الثانية وهي من أهم الأساسيات التي يجب تعلمها وهي خليط بين الأخلاق وقوانين الكون والمعرفة الإنسانية، فمثلا عندما يتعلم الطفل قانون الكون وهو أن ما يخاف منه سوف يواجهه ويتعلم كيف يتفاعل مع هذا الخوف ويحوله إلى هدف إيجابي يسعى إلى تحقيقه، عندما يتعلم ذلك فسوف يكون هذا الطفل إيجابي دائما وتكون هناك طاقة إيجابية تصدر منه وتؤثر على الأخرين.

مع الوعي والمعرفة يبدأ الإنسان باتخاذ قراراته وهنا يدخل في الدائرة الثالثة حيث يكون مخيرا تماما فيما يقوله، ويفعله، ويقرره استجابة للأحداث المحيطة به والكون الذي يؤثر فيه وكذلك الناس الذين يؤثرون عليه وبالتالي فإن قراراته أيضا تكون مؤثره على محيطه.

فمثلا عندما يقع لك حادث فأنت وقعت في تقاطع بين طاقتك وطاقة الأخر وطاقة الكون بحيث تكون في هذا المكان وفي هذا الوقت ومع الطرف الأخر، ومع أنك بطريقة أو بأخرى شاركت في حدوث هذا الحادث من خلال قراراتك وطاقتك إلا أن الله والمجتمع لن يحاسبوك عليها إذا كان الخطأ في الحادث على الأخر ولكن بمجرد أن بدأت تتحدث وتتحرك فإن كل خطوة تقوم بها كردة فعل لهذا الحادث سوف تكون محاسب عليها سواء ظهرت ردة فعلك أم بقيت في جوفك، وهنا فإنك تأثرت وأثرت في الحادث من خلال قرارك وطاقتك ولكن أنت مخير بشكل كامل في ردة فعلك تجاه هذا الحدث.

وعلى فرض أنك ذهبت الى المطار للسفر بمحض ارادتك وسلكت الطريق باختيارك وبالتالي أنت أثرت على الأخرين وعلى الكون وتأثرت بالأخرين والكون بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وعندما وصلت الى مكتب الطيران أخبرت أن الطائرة تأخرت، هنا أنت تقاطعت مع كثير من الخطوط التي تؤثر بك وتتأثر بك من ركاب اخرين وطاقم الطائرة وموظفي المطار وأهاليهم جميعا والدول التي ستذهب الطائرة إليها والركاب الأخرين الذين سيركبون الطائرة بعد وصولك واهاليهم وموظفي المطار وكثير من الخطوط الأخرى المعلومة والغير معلومة حيث تعتبر أنت الأن نقطة تقاطع فيها كل من حولك، ولكن هل أنت مسؤول عن هذا التأخير ؟ قانونا لست مسؤولا ولكن هل أثرت بهذا الحدث؟ بالتأكيد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة فقد أثرت أنت وملايين الأشياء الأخرى على هذا الحدث ولكن هل سيحاسبك أحد؟ طبعا لا ولكن . . .

قرارك في هذه اللحظة عندما علمت بتأخر الطائرة وردة فعلك سوف تحاسب عليها أمام الله وأمام الناس لأنك اخترت انت فعل ذلك.

انت أتيت مسيرا لهذه الدنيا، وبدأت تتأثر وتؤثر بها وبدأت تتخذ قراراتك

لن يحاسبك أحد على الأولى، وسيتفاعل معك الكون سلبا أو إيجابا وستتفاعل أنت أيضا مع الكون سلبا وإيجابا وستدفع أو تقبض ثمن طاقتك وتأثرك بطاقات الأخرين في حياتك اليومية ولكن ردود فعلك ستكون مخيرا فيها ومحاسبا عليها.

الإنسان مخير في مشاعره وطاقته وقراراته ومحاسبا عليها من قبل الله والناس والكون.

أ

مع خالص تحياتي،

خالد حريد

25 مارس 2017

#Social