top of page
Search
  • Writer's pictureKhalid Joraid

المسلمون بين الحق والباطل


عندما قررت قريش محاربة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، بعد أن رفض كل عرض مغري عرض عليه، كانت تعلم أنه أصبح خطر حقيقي عليهم!.

هل هي السلطة؟ أم المال؟ أم المكانة والشهرة؟

لقد عرضوا عليه كل ذلك دون جدوى! فماذا كان سادة قريش يهابون من رسالة محمد؟

أمنعهم من عبادة الأصنام؟ كما خطها التاريخ لنا أو كما صورها العقاد في فيلمه، فهو مثلنا قرأ نفس التاريخ، أو من أجل عادات وتقاليد ألفها سادة قريش ورفضوا تغييرها؟ أعتقد أن هذه كانت فقط أعذار لتبرر رفضهم.

اذا، ما السبب الذي من أجله قاتلت قريش محمد وقتل من قتل من كلا الطرفين؟، فالموضوع لم يكن تعصب لألهة أو نزعة لقبيلة أو غيرة على منصب فقط، وإن كانت هذه الذرائع كانت أسباب تداخلت لتشكل نوع من أنواع الكذب والعناد، ولكن ما هو الشيء الذي يمكن للإنسان أن يقاتل من أجله، فمحمد وأصحابه قاتلوا من أجل رسالة وعقيدة ولكن ماذا عن قريش؟

لقد قاتل محمد وأصحابه من أجل الحق ولا شيء غير الحق،

وقاتلت قريش من أجل الباطل فقط ولا شيء غير الباطل.

فالحق هو العدالة والمساواة والصدق وكل السمات التي قد تنزع من أي شخص كل صلاحيات ليست له وتعطيها لمن يستحقها، فقط من أجل الحق.

ارجع قليلا الى التاريخ وتصور قصة محمد عليه الصلاة والسلام وهي تعرض أمامك، من خلال نفس الروايات التي عرفناها، ولكن أنظر اليها وأنت ترى الحق والباطل وهما يتصارعان وينتصر ذلك تارة ويغلب ذاك تارة أخرى حتى حسمت المعركة لصالح الحق.

هلا رأيت محمد وأصحابه في أول ثورة في الإسلام، وكان عمر من أشعل فتيلها، لأنه وبعد اسلامه لم يتوقع قسوة الباطل في نفوس قادة قريش، فقال بكل قوة لمحمد عليه الصلاة والاسلام طالما نحن على الحق فلماذا الاختباء والخوف؟ ولكنه لم يتصور أن يكون للباطل سطوة ومنزلة في قلوب قريش تؤدي الى التعذيب والتجويع والقتل والحرب.

"يا رسول الله أَلسنا على حق إن متنا وإن حيينا؟ قال: {بلى، والذي نفسي بيده إنكم على الحق وإن متم وإن حييتم}، قال عمر: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لنخرجنَّ، فخرج المسلمون في صفين: صف يتقدمه عمر، وصف يتقدمه حمزة عم النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى دخلوا المسجد الحرام فنظرت إليهم قريش فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلُها، فسماه رسول الله -صلى عليه وسلم- بالفاروق لأنَّ الله فَرَّقَ به بين الحق والباطل."

وبعد أن اشتد عود الإسلام قليلا وأصبح المسلمون كثر، بحيث أصبح القضاء عليهم عملية صعبة وبحاجة الى اتحاد القبائل وحرب طاحنة، إلا أن الرسول بقي كلما رأى تهديدا هنا أو هناك لا يتردد بأن يبادر في الهجوم كخطة للدفاع والذب عن حمى المسلمين، فهل كان هدفه الحرب أم حماية الإسلام وهو مازال في بداية عمره، هل كان هدفه القتل أم أن يوصل الرسالة.

بعثنا رسول الله ﷺ إلى الحُرَقَة من جهينة، فصبحنا القوم على مياههم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم، فلما غشيناه، قال: لا إله إلا الله، فكف عنه الأنصاري، وطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا المدينة، بلغ ذلك النبي ﷺ فقال لي: يا أسامة، أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟! قلت: يا رسول الله، إنما كان متعوذا، فقال: أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟! فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم. متفق عليه

أهذا رجل يريد القتل والحرب أم رجل عرف الهدف الكبير وكان كلما وجد عائقا أزاله باللين تارة وبالحرب تارة اذا لم يكن هناك خيار آخر ويكون الخطر واقع على الرسالة، فإذا زال الخطر، فلا داعي للقتل ولا داعي للحرب.

الحق يقع في الجانب البعيد عن الباطل الا على أصحاب المصالح والذين لا يملكون الصدق والقوة للتنازل عن مصالحهم من أجل الحق! يختلط عندهم الحق بالباطل، قد تكون بسبب مال أو قناعة أو عادة أو حتى اله تعبده فإذا وجدت أن الحق في غير هواك فماذا تفعل؟ إما ان ترجع وتعيد التفكير كثيرا لتكون قادرا على اتخاذ القرار الصحيح أو أن تستسلم لقناعاتك التي تعودت عليها وتعتقد أنها الحق الذي لن تتراجع عنه، مع العلم أنك قد تكون في نظر البعض في أبعد نقطة عن الحق.

فما الذي يجعل شخص مثلا يؤمن إيمان قاطع بأن الله غير موجود، أن يغير عقيدته التي ولد وتربى عليها، أليس المنطق؟ كلا! لأن المنطق نفسه يخضع لمعاييره هو وليس لمعايير الحق.

إنه الصدق والصدق في البحث عن الحق ومن ثم التنازل عن الهوى والخضوع للحق، وهو من أصعب الأمور، إلا أن الصدق هو المنتصر دائما سواء كنت معه أم ضده.

أين الحق؟

إذا كان الحق ظاهرا كالشمس لماذا يحب بعض الناس الظلام؟.

والحقيقة أن الحق واضح ولكنه أيضا ليس كل الحق سواء، فهناك حقائق واضحة بالنسبة لك ولكنها ليست كذلك بالنسبة للأخر، وهناك حق اليوم، ويظهر لاحقا أنه ليس كذلك بعد الفحص والتحري، والمقصود بالبحث عن الحق هو ليس الوصول الى الحق إنما البحث بصدق عنه، وإلا لو أن غاية الله عز وجل هي الوصول الى الحق لأودع الله الحق في نفوسنا جميعا، أليس كذلك؟.

فهم الحق في عقول الناس متغير ومتجدد ويمكن اخفاءه وتغييره وهذا يتضح بجلاء في قصة موسى عليه السلام مع فرعون، فالحق واضح ولكن فرعون وعصابته بالقوة والعنف تارة وبالتضليل تارة أخرى استطاعوا التأثير على الناس لتشوية صورة الحق وابعاده عن الناس، وكان أفضل مثال قصه القران علينا لتوضيح الفكرة هي قصة السحرة. فرعون استطاع إخفاء الحق فهل يمكن أن يتم تزوير الصدق في نفوس الناس؟ قطعا لا يمكن، لا يمكن أن تكون غير صادق وتقتنع أنك صادق أمام نفسك وبميزانك أنت، وإن فعلت وكذبت على نفسك فأنت تعلم ذلك في داخلك وسيأتي يوم لن تسطيع اخفاء ذلك وستدفع الثمن.

الصدق يعني أن ما تؤمن به يتطابق مع ما تقوله وتفعله، بيد قد يكون ما تعتقده أو تقوله هو الحق وقد يكون الباطل وقد يكون بين ذلك، فلا يغرنك أن تعتقد أنك صحيح الإيمان لتكون على الحق فقد يكون هناك كثيرين يعتقدون أنهم على الحق أيضا وأنت بالنسبة لهم على الباطل إما كليا أو جزئيا. فعندما ظهر الحق أمام السحرة خروا سجدا وأمنوا مع موسى ومع أنهم كانوا سحرة، أي أن عملهم هو تضليل الناس، إلا أنهم كانوا صادقين مع أنفسهم وقت ظهر الحق جليا، ألا تستحق هذه الحقيقة لرجال صادقين أن يضحوا بأنفسهم على ألا يعودوا إلى الباطل، حتى وإن قطعت أيدهم وأرجلهم من خلاف؟.

الحكمة في صدق البحث عن الحق وليس في وصف الحق، وهنا تتضح معاني كثيرة ومفاهيم عديدة لكلمة الحق التي وردت في القران في عدة مواضع.

ولكن إذا كان معرفة الحق ليس الغاية بحد ذاته والطريق للتعرف على الحق هو المطلوب فأين الطريق؟ الذي إذا مشينا فيه نكون على الأقل على الوجهة الصحيحة وفي الاتجاه السليم؟ ولا أعتقد أن المسلمين يختلفون على أن الطريق إلى الحق هو القرآن الكريم. ولكن إذا كان القرآن هو الحق فلما الاختلاف في فهمه وتفسيره؟، والحقيقة أن القران يحتوي على الحق وهو من الحق وهو في نفس الوقت الطريق الموصل الى الحق، إنها ليست مسألة معقدة لفهم أن الغاية هو البحث عن الحق، ولكن اعتقاد البعض أنهم حصلوا على الحق وبمعنى آخر أنهم وصولوا الى النهاية جعلهم ينصبون أنفسهم مندوبين عن الله لهداية الناس الى نفس النهاية التي وصلوا إليها، والويل ثم الويل اذا قلت لهم أن الحق لا يزال هناك وأن المسيرة لم تنته بعد وأن الطريق مازال طويلا، وقد يكون ما وصلوا إليه جزء من الحق وقد لا يكون. أما ترى القسوة من بعض الفقهاء عندما يرى ما يخالف رأيه، فإن كان يعتقد أنه على الحق فما الذي يجعله يبحث ويحاول ويتجدد لقد وصل الى النهاية فلما الاستمرار في المنافسة وقد انتهى السباق، أليس هذا أحد أسباب تخلفنا الآن؟.

"خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ " المطففين(26)

كنت سابقا اسأل نفسي لماذا لم يضع الله عز وجل أحكاما حاسمة لمواضيع كثيرة في القرآن الكريم...، وبعدها أيقنت أن هذه هي الحكمة والمعجزة معا، وهي أن تكون الآيات والأحكام في القران قابلة للتجدد دائما، فما أفهمه اليوم قد يكون مختلفا عما يفهمه غيري سواء في هذا الزمن أو قبله أو بعده، والمعجزة أن القران تقرأه كل مرة وتخرج منه بمعاني تتناسب مع أفكارك وقناعاتك المتجددة، فلو تغيرت مفاهيمك وقناعاتك وقرأت القرآن مرة أخرى لتغير فهمك للقرآن مرة أخرى. والمحرك الأساسي لهذه العملية هو الصدق والأمانة العلمية، فعندما تكتشف معنى يتعارض مع مفاهيمك وقناعتك وأفكاك السابقة، فهل سترجع أم ستستمر في كذبك وتتحول تدريجيا الى أحد كفار قريش.

وإذا كان القرآن هو الطريق وهو الأول دائما في التشريع فلماذا لا نتبع القرآن ونمشي عكسه تارة ونكذبه تارة أخرى بسبب قول مأثور أو رأي عالم أو قناعة شخصية التنازل عنها يعتبر هزيمة، أعلم أن هذا الموضوع مربك وترتيب الأوراق بين القرآن والحديث النبوي الشريف وأقوال العلماء والمذاهب تعتبر عملية معقدة للبعض ومحيرة للبعض الآخر وإن كانت محسومة لدى أخرين. فأحسب أن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي دعينا الى اتباعه، أما السنة النبوية الشريفة فهي أفضل فهم و تطبيق للقرآن من نبي كريم كان يقوم بدور النبي والرسول والقائد والقاضي والأب والزوج، ففي دوره كنبي كان يؤدي الأحكام وكرسول كان يؤدي الرسالة، وكذلك كحاكم وكأب وزوج، فهل أراد الله عز وجل أن يضع الطريق في القرآن والحديث ولكنه حفظ القرآن ولم يحفظ الحديث؟. وماذا عن العلماء أليس رأيهم معتبر؟ والحقيقة أن العلماء أيضا هم نموذج لكيفية فهم وتطبيق القرآن والسنة، أي أفضل تطبيق لما فهموه حسب وجه نظرهم. ولكن المشكلة والسؤال هل فهمهم هذا هو الحقيقة، وهل سنة الرسول علية الصلاة والسلام هي النهاية؟.

من خلال عملي كمستشار أعمال للشركات التجارية والصناعية نقوم كخطوة أولى قبل البدء في أي عملية تحسين أو تطوير للعمليات والإجراءات بحث الإدارة على تعريف الرؤية والرسالة والقيم والأهداف، وذلك لوضع تصور واضح لحلم كبير يسعى له قادة وأصحاب العمل وذلك لضبط البوصلة ورسم الطريق للوصول الى هذه الغاية المرجوة، بحيث إذا تم لاحقا الدخول في تفاصيل الإجراءات والتطوير الداخلي للعمليات يحدث عادة ظهور متطلبات وإجراءات تتعارض إما مع الرؤية أو الرسالة أو القيم وبالتالي يتم استبعادها أو تغيرها لتصبح منسجمة معهم. هذا ما يقوم به رواد الأعمال في شركاتهم لكي يضمنوا وحدة الوجهة ووضوح الطريق الى الهدف ومن ثم النجاح، والغريب أن القرآن واضح من حيث الرؤية والرسالة والقيم، وترك لنا كثير من الإجراءات والعمليات لنقوم بتطويعها لما يتناسب معنا ضمن هذه الرؤية العامة، إلا أن المسلمين تشبثوا بالإجراءات والتفاصيل واختلفوا عليها وتركوا الرؤية والرسالة والقيم فأصبح المسلم كالورقة في مهب الريح تأخذه حيث ذهبت، لا الى وجهة محددة ولا على طريق مستقيم.

فمثلا لو عرفت الإسلام على هذا النحو:

الرؤية :الإيمان بالله الواحد وباليوم الأخر والحساب والعمل الصالح.

الرسالة: الحرية والصدق في البحث المستمر عن الحق.

القيم: البر ، الحفاظ على الحياة و الحياة الكريمة، العدل، الوفاء بالعهد، الحب و الأخلاق، البعد عن الفواحش الظاهرة والباطنة، الرزق والطعام والمشرب الطيب.

بغض النظر اتفقت معي أم اختلفت على بعض أو كل هذا التعريف فهذا مثال لتوضيح الفكرة فقط. فلنفترض أننا متفقون على هذه الرؤية والرسالة والقيم، ولنفترض كمثال: أن قاض ما أمام مسألة قانونية عرضت عليه ليحكم فيها، وهي أن شخصا ما كتب بحثا يدعم فرضيته بأن الله غير موجود وأنه لا يؤمن بوجود الله، وتم القبض على هذا الكاتب وطلب منه الرجوع ولم يقبل لأنه غير مقتنع، وعندما عرض على القاضي ليحكم عليه وحتى يحكم بالعدل قام بمراجعة الأدلة والتراث الإسلامي ووجد ما يدعم الحكم بأن من لا يؤمن بوجود الله يجب أن يقتل، والقاضي الآن أمام مفترق طرق إما أن يحكم بما يتناغم مع الرؤية والرسالة أو ما يتناغم مع بعض الأدلة والتراث، وحتى اضع بعض الدراما على هذه القصة، افترض جدلا أن القاضي قام بالحكم عليه بالقتل، ولكن بطريقة أو بأخرى استطاع هذا المجرم أن يهرب الى بلد آخر فارا من القتل. وبعد أعواما عديدة من البحث والتحري اقتنع الرجل أخيرا أنه كان على خطأ وكتب كتابا يثبت فيه أن الله حق وموجود. انتهت القصة، وسأترك لك أن تتخيل قليلا بعض السيناريوهات المختلفة .....

روي أن أعرابيا جاء الرسول عليه الصلاة والسلام يطلب منه شيئا ٬ فأعطاه ثم قال له: أحسنت إليك؟ قال الأعرابي: لا ٬ ولا أجملت ! فغضب المسلمون وقاموا إليه ٬ فأشار إليهم أن كفوا.. ثم قام ودخل منزله ٬ فأرسل إليه وزاده شيئا ٬ ثم قال له: أحسنت إليك؟؟ قال نعم ٬ فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا ٬ فقال له النبي: إنك قلت ما قلت آنفا ٬ وفى نفس أصحابي من ذلك شيء ٬ فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدى حتى يذهب ما في صدورهم عليك !! قال: نعم. فلما كان الغد جاء ٬ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن هذا الأعرابي قال ما قال فزدناه. فزعم أنه رضى ٬ أكذلك؟ قال: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا . فقال رسول الله “مثلى ومثل هذا كمثل رجل له ناقة شردت عليه فأتبعها الناس فلم يزودوها إلا نفورا ٬ فناداهم صاحبها ٬ فقال لهم: خلوا بيني وبين ناقتي ٬ فإني أرفق بها منكم وأعلم. فتوجه لها بين يديها فأخذ من قمام الأرض ٬ فردها حتى جاءت ! واستناخت ٬ وشد عليها رحلها ٬ واستوى عليها . “وانى لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال ٬ فقتلتموه ٬ دخل النار”

الواضح بالنسبة لي أن الرسالة المحمدية أتت لتضع الرؤية والرسالة والقيم ولم تأت لتنهي السباق، بل لتقص شريط الانطلاق، لم تكن الغاية توضيح كل الحقيقة، بيد أنها وضحت المهم منها وخاصة المتعلقة بالرؤية حتى لا يتشتت الباحث وأكدت على حق الرسالة وأضاءت الصراط المستقيم من خلال القيم للمضي قدما في البحث عن الحق. وإذا كانت الرسالة المحمدية وضحت هذه الأمور فهذا لا يعني أن كثيرا منها قد حسم بالنسبة للمسلمين، بل على العكس هناك أدلة قاطعة أن بعض الممارسات كانت تمشي بعكس الرسالة والقيم تماما ومع ذلك فإن هذا لا يعني أنها الحق، فأي عاقل قرأ التاريخ بعد تعريف الرؤية والرسالة والقيم سيعلم أن المسلمين للأسف عكسوا الطريق في مواضع عديدة والتي تتعارض بشكل واضح مع رسالة الإسلام، دعوني أوضح الأمر قليلا في موضوعين ونضعهما على الميزان:

أولا : الرق واستعباد الناس

هل الإسلام مع الرق والعبودية أم ضدهما؟

لو رجعنا الى رسالة الإسلام أعلاه لوجدنا أن الإسلام هو الحرية وسعى الى الحرية وأمر بها، والرسول عليه الصلاة والسلام و الصحابة الكبار كذلك، وفهمنا سابقا أن الرق كان واقع مفروض والإسلام فتح أبوب كثيرة للحرية وأغلق معظم أبواب الرق، وترك لنا سيرة نبي حكيم تدل على هذا المعنى وكذلك خلفاء أيدوا هذه القيمة بل ودافعوا عنها، ولكن بمعادلة حسابية بسيطة تقارن بين عدد الرقيق في عام 40 للهجرة مثلا بعام 400 للهجرة، فهل زاد عدد الرقيق أم قل؟ طبعا زاد زيادة هائلة، إذ أن أي دارس لسلوك المسلمين دون الرجوع الى رؤية الإسلام ورسالته سوف يؤكد بالدليل القاطع أن الإسلام يدعو الى الرق والعبودية، ولن تسطع الرد عليه بنظريات لم يتبعها أهل الإسلام في صدره وتدعي الآن أنها روح الإسلام ورسالته، أما إذا اتفقت معي أن الإسلام وضع الرؤية وأن المسلمين هم من خالفوها لأسباب متعددة فهذا أيضا سوف يتعارض مع كثيرين أخذوا أفعال وأقوال الصحابة والتابعين على أنها دين قاطع و كأنها الحقيقة المطلقة التي لا غبار عليها وهي عبارة عن ممارسات كانت من نفس القوم الذين عاشوا نفس الحقبة التي استعبدت الناس، فكيف يستقيم أن نقول أن الإسلام يدعوا الى الحرية وممارسة المسلمين كانت عكس ذلك ونقول أن الإسلام مثلا يحرم كشف وجه المرأة لأن النساء في تلك الحقبة حجبوا وجوههم، أو أن الإسلام حرم الموسيقى لأن أثر أو صحابي قال أنها محرمة. أليس الله قادر على أن يقول للنساء حرم عليكن كشف وجوهكن أو أن يقول حرمت عليكم الموسيقى كما قال حرمت عليكم أمهاتكم؟!.

فأين الحقيقة إذا؟ الحقيقة في كتاب الله وليس في ممارسة الناس حتى وإن كانوا صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام، لأن الإسلام لم يأت لخدمة حقبة زمنية سوف تزول أو ظرف مؤقت سوف يمضي.

ثانيا: قتل النفس التي حرم الله

هل الإسلام يدعو الى الموت أو الى الحياة؟ هل يدعو الى السلم أم يدعو الى الحرب؟ هل يدعو الى العفو أم يدعو الى القتل؟، والرؤية واضحة وآيات القرآن واضحة، والمسلمون يؤمنون بأن الإسلام دين حياة وسلام ولكنهم في الواقع يفتخرون بأنهم قتلوا الكثير من البشر في صدر الإسلام، لقد وقعوا في نفس الإشكالية وهي أن هناك ممارسات قد يكون فعلها الرسول علية الصلاة والسلام أو الصحابة الكرام أو التابعين ولكن هذه الممارسات قد تخالف رسالة القرآن مؤقتا لسبب معين أو لظرف ما أو لحالة محددة قد نفهما ونضعها في اطار تلك المرحلة، وقد لا نفهمها، فهل نتبع القرآن الدائم أم نتبع الظرف المؤقت الذي عاشه من فهموا القرآن في تلك المرحلة وتعاملوا مع محيطهم وظروفهم بما رأوه مناسبا لتلك الحالة، حسنا، سوف يأتي من يرد ويبرر القتل الذي حدث في صدر الإسلام ويأتي بأدلة من القرآن والسنة وذلك بأن الحرب كانت بإذن من السماء ضد غير المسلمين، ومع أن هذا الأمر غير صحيح نهائيا، ولكني لن أخوض في صحته أو خطأه وسأرجع لنفس السؤال:

هل الإسلام يدعو الى القتل أم الى الحياة؟ فإذا قلت يدعو الى القتل فهذا يتعارض على الأقل مع الرؤية والرسالة والقرآن ومع الحديث وكثير من أقوال العلماء، وإذا قلت أنه مع الحياة فهذا يتعارض مع الممارسات التي كان يفعلها رجال صدر الإسلام فأيهم الصحيح؟

وإن كان القتل في الإسلام فقط لغير المسلمين، كما زعم، أما المسلمون فدمائهم حرام، وعلى فرض أنني سأوافق على هذه الفرضية الخاطئة وأسلم أن الإسلام ذو وجهيين، وجه يدعو الى قتل البشر فقط لأنهم لا يؤمنون بما نزل على محمد ويدعو الى عدم قتل البشر الذين اتبعوا محمد، فسأقول حسنا دعك من كل المشركين والكافرين والمنافقين والأعداء والخونة في ذلك العصر، وأعيد السؤال مع إضافة مهمة،

فهل الإسلام يدعوا الى القتل أم الى الحياة بالنسبة للمسلمين فقط؟ فلا أعتقد أن أحدا من المسلمين سيدعي القتل، وعلى نفس المنهج وباستخدام أبسط معادلات العد، ستجد أن عدد القتلى المسلمين في أول 50 عاما من وفاة النبي عليه الصلاة والسلام كان عددا كبيرا جدا وأنا أتحدث عن مسلمين قتلوا على أيد مسلمين وليس في فتوحات ضد الأعداء أو حروب مع الكفار و المشركين، ولا أريد ذكر عدد المسلمين الذين قتلوا على أيد مسلمة في نهاية الدولة الأموية أو العباسية! ناهيك عن الطريقة الوحشية في القتل والتي ملأت كتب التاريخ بالدماء، ويكفي أن ثلاثة من الخلفاء الخمسة، وعشرات الصحابة الكبار قتلوا قتلا بأيد مسلمة، أليس هذا دليلا على أن هناك خطأ ما.

إذا أين الحقيقة؟ الإسلام يدعو الى السلام والمسلمون يدعون إلى القتل!.

نحن أمام تناقض كبير لا حل له إلا أن نؤمن أن الإسلام له رؤيته ورسالته وقيمه وهذه الرؤية والرسالة والقيم توضح الغاية والهدف البعيد والمنهج، وأن عصور الإسلام الأولى كانت عبارة عن انطلاقة وبداية في هذا الاتجاه وحدث أن تم الانحراف يمينا وشمالا وعودة بعكس الطريق أحيانا، وهذا لا يعني أن هناك تغير في الرؤية أو الرسالة أو القيم ولكن المحاولات والممارسات هي التي تتغير بتغير عوامل عديدة كظروف الناس والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ووعي المجتمع وخبرته وكثير من العوامل الأخرى، وبالتالي فإن تطبيق الأولين لرؤية الإسلام ورسالته ستكون بلا شك غير مكتملة وغير ناضجة وفي بعض الأحيان خاطئة لأنها محاولة للمضي في الطريق الى الحق وليس تعريف الحق.

وإذا سأل سائل، إن كان الله حدد الغاية وعرف الرسالة ووضح الطريق وأمرنا في المضي للوصول الى الحق فمن الطبيعي أن يخطئ البشر وينحرف الناس أثناء سعيهم للحقيقة وستكون محاولة الوصول الى الحق وبالا عليهم لأنهم أخطأوا المحاولة و ضلوا الطريق في بعض مراحله، والرد على هذا السؤال الكبير هو الجواب على سؤال آخر مهم وهو:

ما هو المعيار الذي سيحاسب الله به الناس؟ هل هو الخطأ والسقوط والرجوع أم صدق محاولة البحث عن الحق؟ وسأضع بعض التعريفات قبل أن أختم بالجواب:

الكذب: ويكون إما بتزييف الحقائق جزئيا أو كليا أو خلق روايات وأحداث جديدة، بنية وقصد الخداع لتحقيق هدف معين وهو عكس الصدق

الصدق: هو قول الحق ومطابقة الكلام للواقع

الحق: في اللغة هو الثابت الذي لا يسوغ إنكاره، وفي الاصطلاح هو الحكم المطابق للواقع، ويقابله الباطل

الباطل: هو الذي لا يكون صحيحا بأصله، وما لا يعتد به ولا يفيد شيئا، وما كان فائت المعنى من كل وجه

لاحظ أن الكذب لا يقصد به عدم الإيمان أو تكذيب الرسل مع صدق المحاولة كما يفهمه البعض في آيات القران، إنما هو الافتراء والتزييف بقصد الباطل، فهل من عدل الله أن يعذب الله رجلا صادق البحث عن الحق ولكنه ما علم الرؤية ولا عرف الرسالة وضل الطريق، وينعم على الكاذب الذي علم الرؤية والرسالة والقيم ولكنه بالقصد أضاع الطريق، فيدخل الثاني الجنة لعلمه بالله وكذبه، ويدخل الأول النار لجهله بالله وصدقة.

أهذا حق أم باطل أيها المسلمون؟.

"وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ" العنكبوت - الآية 68

خالد جريد

ميسيساجا، كندا

24 نوفمبر 2019

35 views0 comments

Recent Posts

See All

السجن الكبير والوطن الصغير

السجن الكبير والوطن الصغير أذكر عندما كنت ادرس في كلية الشرطة، كطالب مستجد في السنة الأولى، أنني كنت أعيش بعض النشوة أثناء التدريبات التي كنا ننشد فيها أناشيد وطنية، وغالبا ما كانت تتلاشى بعد دقائق قل

الكفر الحلو

في أحد الأيام كان موسى عليه السلام يسير في الجبال وحيدا عندما رأى من بعيد راعيا، كان الرجل جاثيا على ركبتيه ويداه ممدودتين نحو السماء يصلي، غمرت موسى السعادة لكنه عندما اقترب منه دهش عندما سمع الراعي

العقاد، الرومي ابن الرومي

سمعت عن جلال الدين الرومي كثيرا ولكني لم اقرأ له شيئا وكنت كلما اسمع عنه ازداد شوقا لمعرفته، علمت أنه شاعر الحب ومثال التسامح تنسب له الطريقة الصوفية المولوية التي اشتهرت بدراويشها والرقصة الدائرية ال

bottom of page