ارنستو كورتازار

نعم للقلب لغة لا يفهمها الا من يملك هذا الجهاز الرقيق الذي يقرأ الشيفرة ويحولها الى أحاسيس مرهفة ومشاعر تواقة الى الأعلى. تحن الى أصوات النعيم والى احاسيس الكمال، لا أحد يمكنه أن يفهم كيف تبث هذه الأصوات البسيطة كل هذا الحب والتسامح الى القلوب لترتقي بها الى مكان لا يمكن أن يكون إلا في ذاكرة بعيدة عن هذه الدنيا.

لسنوات عديدة وأنا أستمع الى بعض الموسيقى أثناء تحركي بالسيارة من هنا وهناك وكنت اتأثر ببعضها تأثرا كبير قد لا أستطيع وصفه، ومع الوقت لاحظت أن هذه المقطوعات تذاع خلال فترة الظهر من الساعة الواحدة الى الثالثة تقريبا كل يوم، وبدون ترتيب مسبق كنت أستمع لها ولا أرغب في الوصول الى وجهتي حتى لا تنتهي هذه الطاقة الجميلة التي تبثها هذه المعزوفات.

بعد انتقالي الى الدمام ولظروف عملي القريب جدا من سكني لم أعد أتنقل بالسيارة كثيرا خلال فترة الظهر وكنت أشعر بأن شيئا أفتقده منذ فترة وكنت كلما أردت أن أستمع لهذا الموسيقى اتجول في السيارة ظهرا لأعيش هذه الأجواء الجميلة.

كنت كثيرا ما أفكر كيف يمكن أن أبحث عن معزوفة موسيقية بدون أن أعرف اسمها أو اسم عازفها، مع وجود أفضل وسائل البحث في التاريخ بت عاجزا عن جواب هذا السؤال ولمدة أسيوعين أو ثلاثة وأنا أحاول أن أجد ما يربط بين الموسيقى التي أريدها ومحرك البحث حيث أنني لن أبحث في كل المعزوفات التي لا تعد ولا تحصى، وفي يوم كنت خارجا الظهر وبعد فترة من الانقطاع سمعت بالإذاعة أحد هذه المقطوعات التي عصرت قلبي لدرجة أنني لم أحتمل فقررت أن أجد هذه المعزوفة عندما أعود الى البيت، وبعد أن انتهيت من كل أعمالي وأنا على السرير مستعدا للنوم خطرت في بالي فكرة ممكن أن أبدأ فيها بحثي الطويل حيث يمكن تخصيص نصف ساعة يوميا لهذا البحث ووجدت أن المعزوفات التي كنت أستمع لها كانت لا تحتوي على أي طبل أو على القيثارة، فقط كانت عبارة عن آلة البيانو والكمنجة فبحثت في اليوتيوب عن موسيقى معنونة بالبيانو والكمنجة فظهرت لي ألاف النتائج وبدأت أستمع لواحد تلو الأخر لمدة ثانية أو ثانيتين وكلما سمعت أي صوت صاخب كطبل، أو حاد كقيثار أو ثقيل كالأورج انتقل مباشرة للتالي وكلما تأخر ظهور الأصوات التي وضعتها كاستثناء كلما أخذ قراري وقت أطول للانتقال للاختيار التالي، وبعد اربعين أو خمسين محاولة وفي أقل من ساعة وجدت ما أبحث عنه.

وهي عبارة عن عدد كبير من المقطوعات لموسيقي مكسيكي ابن لموسيقي ومخرج سينمائي مشهور في المكسيك، ولد ارنستو الابن في المكسيك سنة 1940م وتوفي سنة 2004م بدأ حياته المهنية يعزف خلفية الأفلام السنيمائية وفي المناسبات ولاقى شهرة كبيرة في أوساط السياسيين والفنانين.

ما أثر في نفسي أن هذا الرجل مثل ملايين البشر عاشوا وماتوا وماتت معهم ذكراهم بينما من خلال الموسيقى استطاع أرنستو أن يجعل رجل مثلي يعيش في الصحراء على بعد آلاف الأميال أن يجده بعد ثلاثة عشر عام من موته لأقول رحمك الله يا ارنستو، كم أثرت فينا موسيقاك وأراحت قلوبنا وأرهفت أحاسيسنا.

اهداء الى أرنستو كورتازار، رحمه الله

خالد جريد

09 فبراير 2018

الدمام