top of page
Search
  • Writer's pictureKhalid Joraid

العقاد، الرومي ابن الرومي


سمعت عن جلال الدين الرومي كثيرا ولكني لم اقرأ له شيئا وكنت كلما اسمع عنه ازداد شوقا لمعرفته، علمت أنه شاعر الحب ومثال التسامح تنسب له الطريقة الصوفية المولوية التي اشتهرت بدراويشها والرقصة الدائرية المشهورة وكنت كلما قرأت له بعض الكلمات هنا وهناك لا أرى ذلك الابداع وأبقى أتساءل أكل هذه الشهرة والرجل له كتب محدودة وأشعاره غريبة؟ ومع أن كتبه ترجمت الى لغات عالمية كثيرة ولقبته ال بي بي سي في سنة 2007 بأكثر الشعراء شعبية في الولايات المتحدة الأمريكية وغنت له مادونا المغنية المشهورة بعض أشعاره، إلا أنني لم أكتشف سر شهرة هذه الرجل.

بحثت عن كتب له في المكتبات فلم أجد إلا ديوان شعره ويسمى المثنوي ويبدو أنه مترجم للعربية لذلك لم اتذوق حلاوته، وهو عبارة عن شعر ونثر وقصص ومواعظ لم أجد ما يجعلها في هذه المكانة العالمية وهذه الشهرة الكبيرة. ولكني بعد متابعة بعض من علقوا على أعماله عرفت أن أشعاره ترجمت الى العربية حيث أنه كان من أفغانستان ويبدوا أنها كانت تتبع الى بلاد فارس في ذلك الوقت، فكانت كتبه بالفارسية وإن كان قد ألف بعضها بالعربية، فافترضت أن ترجمة أشعاره قد تكون ركيكة وسيئة لذلك راودني ذلك الشعور.

بعد انتقالي الى الدمام في آخر عام 2017م، كنت أتجول في مكتبة جرير قاصدا كتبا تتحدث عن السيرة الشخصية، فبعد أن قرأت حياة في الإدارة للقصيبي وبعض الكتب التي تتحدث عن سيرة غاندي ومانديلا وعلي عزت بيجوفيتش واخرين، شعرت بكثير من الفائدة والمتعة من قراءة هكذا كتب مما دفعني للبحث عن مثيلاتهاـ لم أكن ابحث عن شخصا بعينه ولكني كنت أبحث عن شيء يلفت نظري، فبينما كنت أتجول في قسم السير الذاتية وقعت عيني على كتاب للعقاد اسمه ابن الرومي حياته من شعره، فعجبت كثيرا كيف أنني عثرت على ضالتي بهذه البساطة، فمازال موضوع شهرة الرومي سؤال لم اجد له اجابة. أخذت الكتاب بدون تردد وكانت فرحتي مزدوجة أنني سأجد جوابا لسؤالي وكذلك سوف أقرأ للعقاد حيث انني للأسف لم أقرا له الا قليل من عبقرياته، وقلت في نفسي ومن أفضل من العقاد يمكن أن يجيب السؤال؟

عدت للبيت وقرأت الكتاب في ثلاثة أيام، ما أثار دهشتي حقيقة هو العقاد نفسه قبل ابن الرومي، فقد سحرني بطريقة كتابته وبلاغة نصوصه وحلاوة سرده ونجاعة منطقة، كنت أقرأ وكأنني اتذوق معزوفة موسيقية متقنة وليس كتاب في سيرة رجل، وبعد عشرات الصفحات من القراءة اتضح لي ذكاء وعبقرية العقاد مرة أخرى حيث أنه اجتهد في كتابة سيرة رجل من التاريخ وشاعر عريق من خلال أشعاره، فقد جمع العقاد شعر ابن الرومي وبدأ يدرسها ويرتبها تاريخيا فعرف من خلال شعره، مولده وطفولته وشبابه وهرمه وموته، استطاع العقاد بفطنته أن يدرس نفسية الشاعر ويعرف شخصيته، خلقه ومرحة وغضبه وحزنه، متى تألم لفقد أبناءه وزوجته وكيف عاش متشائما طيلة حياته، ومتى ثقلت همومه ومتى عادى خصومه، ولا شك أن ما ساعده على ذلك أن ابن الرومي كان شاعرا على السليقة وكان كلما واجه موقفا أعجبه امتدحه وكلما ذم شيئا هجاه فلا يكاد يقف على موقف أو مناسبة الا وكتب لها شعرا، وذلك ما ساعد العقاد في كتابة سيرة الرجل مع أن احدا لم يكتب عنه بهذا التفصيل، وقد صحح العقاد كثيرا مما قيل عن الشاعر سلبا أو ايجابا، وكان مما أثر في نفسي كثيرا شعره يرثي أمه فلم أستطع تجاوز هذه الأبيات تلك الليلة:

ألا من أراه صاحبا غير خائن

ألا من أراه مؤنسا غير محتشم

ألا من تليني منه في كل حالة

أبر يد برت بذي شعث يلم

ألا من إليه أشتكي ما ينوبني

فيفرج عني كل غم وكل هم

نبا ناظري يا أم عن كل منظر

وسمعي عن الأصوات بعدك والنغم

وأصبحت الآمال - مذ بنت - والمنى

غوادر عندي غير وافية الذمم

وصارمت خلاني وهم يصلونني

وقد كنت وصال الخليل وإن صرم

وأنسني فقد الجليس وأوحشت

مشاهدة نفسي، ولم أدر ما أجترم

وقد عاش ابن الرومي حياة حزينة حيث كانت تأتيه الفاجعة تلو الأخرى، فقد أولاده وزوجته أثناء حياته في مراحل مختلفة من أعمارهم ففقد ابن له وهو طفل وابن اخر وهو صغير العمر واخر وهو شاب وحتى زوجته ماتت وهي صغيرة وعاش بدون زوجة بعدها معظم حياته ولكنه تزوج اخر عمره،

وكان من أكثر أشعاره حزنا ما قاله في رثاء ابنه الأكبر:

ابني إنك والعزاء معا

بالأمس لف عليكما كفن

تالله لا تنفك لي شجنا

يمضي الزمان وأنت لي شجن

ما أصبحت دنياي لي وطنا

بل حيث دارك عندي الوطن

سرد العقاد قصة الشاعر ابن الرومي بكل احترافية وبمنتهى العبقرية، وفي بداية قراءتي للكتاب لفت انتباهي أن ابن الرومي عاش في القرن الثالث الهجري وعاصر عددا كبيرا من خلفاء الدولة العباسية مما جعلني أشعر بالغرابة لأنني أعلم أن جلال الدين الرومي عاش في القرن السابع الهجري، فعلمت وقتها أنني أقرأ سيرة رجل آخر غير الذي كنت أظن، فجلال الدين الرومي عالم فقيه ورع متصوف فارسي من أفغانستان عاش في القرن السابع الهجري وابن الرومي شاعر عربي وأمه من أصول رومية عاش في العراق في القرن الثالث الهجري.

عندما أنهيت الكتاب تبين لي أنني قرأت صورة من التاريخ وليس سيرة على حسب تعبير العقاد نفسه في مقدمة الكتاب لأن ديوان الشاعر عكس صورة عن حياته ولكن العقاد استطاع بحرفية أن يكمل الصورة فشرح الحقبة التاريخية في تلك الفترة وتفاصيل مهمة عن الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والحالة الفكرية آنذاك، وكيف كانت أحوال الدولة العباسية وأحوال أصحاب النفوذ والمتغيرات التي عاشها المسلمون من خلال مرآة شعرية لحقبة من الزمن .

رجعت للمكتبة لاحقا واشتريت معظم كتب العقاد لقراءتها، ولكني ما زلت أبحث عن جواب لسؤالي حتى الأن.

خالد جريد

09 فبراير 2018

الدمام


6 views0 comments

Recent Posts

See All

السجن الكبير والوطن الصغير

السجن الكبير والوطن الصغير أذكر عندما كنت ادرس في كلية الشرطة، كطالب مستجد في السنة الأولى، أنني كنت أعيش بعض النشوة أثناء التدريبات التي كنا ننشد فيها أناشيد وطنية، وغالبا ما كانت تتلاشى بعد دقائق قل

الكفر الحلو

في أحد الأيام كان موسى عليه السلام يسير في الجبال وحيدا عندما رأى من بعيد راعيا، كان الرجل جاثيا على ركبتيه ويداه ممدودتين نحو السماء يصلي، غمرت موسى السعادة لكنه عندما اقترب منه دهش عندما سمع الراعي

bottom of page